أنا والمجتمع والمناصرة!

 

عملية المناصرة هي عملية تأثير من اجل إحداث تغيير ما، وقد عرفها المجتمع المدني على أنها عملية تأثير في السياسات والممارسات والسلوك المؤسسي من اجل إحداث تغيير في حياة الناس ومجتمعاتهم للأفضل، لذا ولكون هذا التغيير يمس الناس وحياتهم، فوجود المجتمع كشريك اساسي هو بداية الطريق تجاه نجاح عمل المناصرة وقوتها عبر دعم العمل المؤسسي بدوائر شعبية ومجتمعية تؤكد على أهمية التغيير وكذلك تقوي من حجة المؤسسات والجمعيات التي تقود عمل المناصرة وكذلك تفسح المجال أمام المجتمع وأفراده لقيادة التغيير الذي يرغبونه بصورة مستمرة. 

 

ما هي أهمية إخراط المجتمع في عمل المناصرة؟  

توصيل صوت المجتمع: 

مشاركة المجتمع في حدث منظمة ومدروس يزيد من قدرة المجتمع على توصيل صوته لصناع القرار، كذلك شعوره بقوته الحقيقية، كما يعكس مدى ضورورة وحتمية التغيير لما له من شعبية ومن تاييد من المجتمع بفئاته المختلفة من المتاثرين والمتضامنين مما يجعل عملية التغيير أكثر إقناعاً لصانع القرار. 

التمكين:

إكساب المجتمع الأدوات اللازمة من أجل إحداث التغيير والمهارات والأساليب المختلفة من أجل ذلك لا يقف عند التدريب أو عرض محتوى متخصص، بل تلعب الممارسة دوراً هاماً في تعضيد الفهم النظري والمهاري وكذلك التنظيمي لدى المجتمع والأفراد، مما يزيد من إمكانية حدوث التغيير المرجو وكذلك اتسمرارية العمل من أجل تحسين حياة الافراد داخل المجتمع عبر أساليب منظمة وأدوات مناسبة واتصال جيد بين أفراد المجتمع وأنشطتهم وبين الأطراف المختلفة ذات التاثير على عملية التغيير. 

رفع الوعي: 

مشاركة المجتمع وانخراطه في العمل المدني وبالتحديد المناصرة يزيد من فهمه للواقع المعاش وقياس قوته وقياس درجة التغيير التي تم إحرازها، ولهذا تعد دعوة المجتمع للمشاركة وإفساح المجال لأبنائه للإنخراط ينعكس إيجاباً على الوعي الفردي والعام وعلى الحافزية تجاه التغيير والطرق الفعالة من أجل تحقيقه.

مشاركة السؤولية: 

المجتمع هو شريك اساسي في عملية التغيير كونه هو المتأثر الأساسي بالمشكلة وهو أيضاً المتأثر الأساسي بالتغيير المجتمعي، ولهذا تعد عملية إخراط المجتمع من المحفزات الهامة لشعور المجتمع بملكية التغيير وضرورة الحرص على الحفاظ عليه وضمان استمراريته.

 

ما هي الطرق الفعّالة في دمج المجتمع وإخراطه في عمل المناصرة؟ 

هناك عدة طرق ـأو ما نسميها في عملنا (التكتيكات) يمكن أن يتم العمل عليها من أجل دعوة الناس وإخراطهم في حملاتنا وأنشطة المناصرة المختلفة التي نقوم بها ومن أمثلة تلك التكتيكات:

الفاعليات العامة: 

وهي الفاعليات والأحداث التي يجتمع فيها الناس على موضوع محدد لمناقشته وإلقاء الضوء على جوانبه المختلفة، ومن أمثلة ذلك المؤتمرات والندوات العامة والقاءات المفتوحة، والتي يتم دعوة الجمهور المستهدف من المجتمع لحضورها ومن ثم تقوية العلاقة بين الجمعية أو المؤسسة وبينه، وبناءً على ذلك يتم دعوة الجمهور لإنخراط في أعمال المناصرة. 

المناظرات 

كونها مبارزة سلاحها هو المنطق والحجج والأدلة وأساليب الإقناع السلمية، فالمناظرات العامة هي إحدى الوسائل الجذابة للجمهور لحضورها والتفاعل مع عناصرها المختلفة ما بين مؤيد لمقولة المناظرة ومعارض لها، لذا فتوظيف المناظرات من أجل دعوة المجتمع وإخراطه في أنشطة المناصرة قد يكون فعّالاً في مناسبات مختلفة. 

المهرجانات الفنية:

تلعب الفنون أدواراً عدة في العمل المجتمعي وبناء العلاقة مع الجمهور، كونها أدوات للتسلية ومخاطبة الروح غلى جانب كونها أدوات لنقد وتحليل الواقع وإلقاء الضوء على القضايا الهامة وكذلك التعليم ورفع الوعي، فوق كل هذا فإن الأجواء الاحتفالية التي تتضمنها المهرجانات الفنية ذات الطابع الجماهيري تجعل الناس تسعى للمشاركة او الحضور، وهذا يعد نقطة بداية ذات أهمية بالغة في عرض القضايا والتحرك المطلوب من المجتمع ودعوته للمشاركة في العمل على المناصرة. 

المسرح الجتمعي: 

لما يطرحه المسرح المجتمعي من قضايا شائكة وهامة باسالوب درامي سردي جذاب، ولما له من صبغة تفاعلية حيث يعد الجمهور هو مشارك اساسي في صناعة العرض المسرحي حيث أنه في العديد من الاحيان يشارك في التمثيل بدعوة من صناع العرض المسرحي أو يشارك بآرائه في القاشات التي يفتحها العرض المسرحي، تعتبر العديد من المؤسسات والجمعيات المسرح المجتمعي اداة فاعلة وتكتيك مؤثر في بناء العلاقة مع الجمهور، وغشراكه في مسؤولية قيادة المناصرة ويفسح المجال أمامه للتأمل والنقد وتحريك رغباته، مما يزيد من رغبته في المشاركة بفاعلية في عملية التغيير.

حملات وسائل التواصل الإجتماعي: 

لما لها من قدرة على الوصول لفئات مختلفة من المجتمع، تحديداً من مستخدمي وسائل التواصل الإجتماعي كالفايس بوك والإنستغرام وغيرها، فحملات وسائل التواصل الإجتماعي تعتبر إحدى دعائم المناصرة في صورتها المعاصرة وأساليبها التي تعتمد على البعد الرقمى والتطور التكنولوجي في الوصول للناس والتأثير فيهم ودعوتهم للمشاركة، كذلك ولكونها فضاءً مفتوحاً أمام الناس للمشاركة بحرية عبر طرح آرائهم أو إعادة نشر آراء أخرى تتبنى قضية معينة وتدافع عنها، لهذا فهي من التكتيكات التي يمكن الاعتماد عليها في العديد من الأحيان. 

تتعدد التكتيكات وتتنوع وتزداد عدداً وتطوراً يوماً تلو الآخر، لهذا فإن علينا كمجتمع مدني أن نقوم بالاطلاع على تلك التكتيكات والعمل على اختيار ما هو أنسب من أجل دعوة المجتمع وإخراطه في المناصرة.

أي التكتيكات التي تم ذكرها هو الاكثر ملاءمة بشكل عام؟ 

لا يوجد ما هو ملائم بشكل عام أو في كل الأوقات، لذا فإجابة هذا السؤال تتعلق بسياق عمل المناصرة وطبيعة المجتمع وقدرات وإمكانيات القائمين على الحملة وطبيعة القضية وأصحاب المصالح وماهية التغيير المطلوب، فالجمهور الذي لا يستخدم التكنولوجيا أو الذي لا يمتلك هواتف ذكية ليس من الضرورة أن يتم استهدافه عبر وسائل التواصل الاجتماعي التي ستعد في ذلك الوقت تكتيكاً غير ملائم، وهناك جمهور يحتاج لأن تكون أقرب وتدعوه بأساليب أكثر حميمية كالزيارات المنزلية أو تجنيد مؤثرين من المجتمع للعمل على دعوته.

كيف يصبح التكتيك الذي اخترته مؤثراً؟ 

بعد تحديد التكتيك والعمل عليه علينا أن لا نتوقف عن الاتصال بالمجتمع بعد انتهاء الحملة أو النشاط، بل يجب الأخذ بعين الاعتبار أن عملية التواصل مع الجمهور والتي تبني الثقة هي عملية ممتدة ولا تقف عند انتهاء العمل، لذا فعلى المؤسسات والجمعيات التخطيط لاتصال جيد وممتد مع الجمهور فيما بعد الانتهاء من الأنشطة ليصبح المجتمع من الدوار الرئيسية الداعمة لعمل مؤسستك. 

ماذا بعد التكتيك؟ 

التعلم هو عملية لا تتوقف عند التدريب أو الدراسة المنهجية أو الأكاديمية، بل لتزداد خبراتنا ويصبح عملنا أكثر فاعلية علينا أن نركز أكثر في التأمل وراجعة ما تم إنجازه ما تم إحرازه، لذا تعد عملية المتابعة والتقييم والتعلم والمساءلة من العمليات ذات الأهمية القصوى والاساسية، فالعاملين في قطاع المجتمع المدني وخاصة من أصحاب التركيز على المناصرة عليهم العمل دائماً على التعلم من الإنجاز والإخفاق حتى يضمن عملهم المستقبلي تحقيقاً أكبر للأهداف المرجوة منه. 

في النهاية وجب التأكيد على  ما توصي بعد العديد من المراجع والدروس المستفادة من العديد من التجارب وهو حتمية توطيد العلاقة مع المجتمع كشريك اساسي في عملية التغيير المرجوة، كونه هو صاحب القضية وكون عمل المجتمع المدني في الاساس انبثق عن حاجة مجتمعية وتطور عمله بجهود المجتمع في الاساس، ولهذا فعلينا دراسة السياق بشكل جيد وفهم جوانب وعلاقات القوى المحيطة، ومن ثم العمل على تمكين المجتمع عبر إخراطه في العمل المجتمعي وإشراكه في القرارات المتعلقة بقضاياه بمراحلها المختلفة وترجمة كل هذا إلى فعل عبر أنشطة مناصرة منظمة ومستجيبة للاحتاجات التي حددها المجتمع.