المناصرة – فعل، أم رد فعل؟

 

“لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه”

قانون نيوتن الثالث للحركة…

 

علاقات القوى على المستوى الإجتماعي والسياسي قد تتفق أو تختلف أحياناً معها على مستوى الميكانيكا التقليدية والتي تبناها نيوتن في قانونه “قانون الحركة” حيث رأي أن قوة رد الفعل تساوي قوة الفعل ولكن اتجاه رد الفعل يكون عكس اتجاه الفعل، وهذا يكون منطقياً في حال حركة الطيور والتي تتسبب في اندفاع الهواء للخلف وللأسفل، مقابل ذلك يدفع الهواء الطير للأمام.

أما حين يُت قرارٌ سياسيٌ  تدعمه آلات الإعلام وأجهزته المختلفة، بالإضافة للمؤسسات التعليمية وغيرها مما يسيطر على وعي ورغبات المجتمع فسيكون رد الفعل بصورته المنطقية على نفس قدر الفعل من القوة، ولكنه سيسير معه في نفس الاتجاه فالتأثير هنا هو تأثير القوة المهيمنة طالما لم تجد من يقيّم أو يسائل، أو أن لا تكون تلك الفئات على نفس وزن أو قوة الطرف المهيمن، وهنا حين نذكر فعل النقد أو المسائلة لا نعني سوى ضمان استجابة تلك السياسات لاحتياجات المجتمع وضمان حقوقه، وكذلك جودة التفعيل والمشاركة في مسؤولية بناء الوعي حول تلك السياسات والممارسات مما يؤكد على قوة المجتمع وممارسة حقه في إبداء الرأي والمشاركة بفاعلية وإيجابية في عملية اتخاذ القرارات المتعلقة بحياته ومستقبله وحقوقه.

المناصرة والتأثير:

التأثير في عمل المناصرة هو وسيلة وليست  غاية، فالغاية هي التغيير للأفضل، وذلك عبر التأثير على السياسات والسلوكيات المؤسسة من أجل حدوث ذلك التغيير، قد يرى البعض أن المناصرة هي مجرد نشاط أو تدّخل يقوم به فردٌ أو جماعة دونما النظر لمدى أصالة ذلك الفعل ومدى  عكسه لإيمان المناصرين  بالتغيير المرجو والمنهجية المتّبعة من أجل تحقيقه.

ثقافة المناصرة: لأي مدى يجب أن تكون هناك ثقافة للمناصرة؟

تنبع المناصرة من النهج التنموي القائم على الحقوق، حيث تعتبر ذراعاً للأفراد والمؤسسات والمجتمعات من أجل الدفاع عن حقوقهم والمطالبة بها عبر قنوات وأساليب وأدوات متنوعة، وما يكلل كل ذلك ويضعه في إطار واضح وقابل للتطور والتأثير هو وجود ثقافة تجعل من فعل المناصرة عادة أصيلة تتبعها الأفراد والمجتمعات بشكل اعتيادي مما ينعكس على شعورهم بالقوة والقدرة والمشاركة الفعالة، ويفتح فضاءات جديدة أمام تلك الفئات من أجل الوصول للموارد والخدمات، وتتعدد مظاهر ثقافة المناصرة حيث نذكر منها:

الإيمان بالحقوق:

تصبح المناصرة فعلاً أصيلاً عندما تنبع من الإيمان بالحق وضرورة المطالبة به والسعي وراء الحصول عليه بل وضمان حمايته.

الوعي الحقوقي:

ما يزيد من الإدراك لضرورة الحصول على الحقوق هو إدراك إتاحتها من عدمه وفهم السياق المحيط بنا والمنظومة المؤثرة فيه، بإدراك ماهية الحق ومدى توفره ومعرفة الأطراف المؤثرة وطرق التأثير عليها يمكن لمناصرتنا أن تكون ذات تأثير قوي وقدرة على إحداث التغيير.

الإيمان بالقوى الجمعية:

التغيير لا يأتي إلا بوجود رغبة حقيقية في إحداثه، ويتحقق بتكاتف القوى الراغبة فيه، لذا فإن التحلي بروح التعاون والتكاتف والتضامن والإيمان بقوة الفعل المشترك يزيد من مستوى التأثير كونه مفتاح أساسي لتوفير الموارد والخبرات اللازمة لعمل المناصرة  و للوصول  للمنصات الرسمية المستهدفة وأيضاً للجمهور المستهدف

التنظيم:

المناصرة هي عملية منظمة، لذا فإن القدرة على التنظيم والتواصل والتنسيق وتحديد الأدوار من أساسيات عمل المناصرة، لهذا يجب على القائمين على المناصرة امتلاك وفهم الأساليب والأدوات التنظيمية، والقدرة على التخطيط الجيد ومتابعة العمل بفاعلية 

التعلم:

لا يكتمل عمل المناصرة دون جعل التعلم عادة أصيلة، فنحن نتعلم من أجل زيادة قدرتنا على التحليل والتخطيط والاتصال والعمل من أجل إحداث التغيير المطلوب، نحن نتعلم من تجاربنا ومن تجارب الآخرين ومن تأمل الواقع المحيط بنا.

فهم ومتابعة آلية التشريع:

كون المناصرة ذات تأثير على القوانين وتطبيقها فعلى  من يقوم بها العمل على فهم آلية التشريع في بلاده وكيفية التأثير عليها والقنوات المتاحة لذلك.

وفي الختام، نؤكد على أن ما عرضناه من نقاط تتعلق ببناء ثقافة للمناصرة هو انطلاقة من أجل تأثير وتغيير في علاقات القوى مما يحيل رد الفعل إلى فعل أساسي قادر على إحداث التغيير الذي نسعى إليه.