المناظرة كتكتيك

تتعدد أشكال وطرق المواجهة وطرح الحقائق والتعبير عن تبنّي  للقضايا ومحاولة كسب التأييد من أجلها، فهناك طرق تحتاج لقنوات ووسائط مثل الفيديو ونشر التقارير وتصميم البيانات (الإنفوجارفيك) وغيرها، ولكن للمناظرات رونقها الخاص وفاعليتها الكبيرة في عملية كسب التأييد ومناصرة القضايا لما تجمعه من خصائص عدّة سوف نعرضها في السطور التالية

لا تتوقف عملية المناظرة عند التباري والتبارز بين طرفين من أجل دحض حجج الطرف الضد، بل هي عملية مركبة تجمع بين الجهد البحثي والقدرة على الخطابة وسرعة البديهة والتنظيم وموجهة الجمهور وغيرها من المهارات.

ما هي المناظرة؟ 

هي إحدى أشكال الخطاب العام، وهي عبارة عن مبارزة فكرية وبلاغية بين طرفين حول قضية معينة حيث يصبح هنك طرف مؤيد وآخر معارض، وفي إطار زمني محدد أمام جمهور من الناس، حيث يسعى كل طرف لإقناع الجمهور عبر تقديم ما لديه من حجج منطقية وبأسلوب بلاغي وفي الغالب ما تنتهي بفوز أحد الطرفين عن طريق تصويت الجمهور.

تعد المناظرة إحدى الطرق السلمية للدفاع ومناصرة القضايا عبر تقديم حجج منطقية قوية تدلل على ضرورة التدخل وعبر مواجهة سلمية بأسلوب بلاغي تسعى لدحض حجج الطرف الآخر الذي يعارض القضية، والمناظرة من الطرق والتكتيكات التي تحتاج إلى امتلاك العديد من المهارات التي تساعد المتناظر على صياغة الحجج وتقديمها والقدرة على طرح أدلة وبراهين والإجابة على الأسئلة الصعبة والتي أحياناً ما تكون تعجيزية وذلك من أجل كسب تأييد الجمهور وأصحاب المصالح. 

  البحث والمناظرة: 

تحدثنا في مقالات سابقة حول أهمية البحث وجمع الأدلة في عمل المناصرة، وهنا حيث نناظر الطرف الأخر ونتحداه بالأدلة المتنوعة ونعمل على حشد الراي العام من أجل توحيد الصوت لمناصرة قضية بعينها، لذا فإن عملية البحث وجمع الأدلة ودراسة تاريخ المشكلة وأسبابها والقوى التي تعرقل الحلول، كذلك جمع القصص حول الأطراف المتضررة من ووجود المشكلة ونماذج مشابهة في مناطق أو دول أخرى وكيف كان للحل من دور في تحسين حياة الناس هناك، مما يجعلك أكثر استعداداً للمواجهة ودحض الحجج والرد على أسئلة الطرف الآخر وأيضاً طرح الأسئلة التي تساعدك على إيجاد دلائل جديدة من أجل إقناع الجمهور.

تطوير المحتوى:

تتعدد نماذج المناظرة من حيث الشكل والتنظيم وأساليب العرض ولكن العامل المشترك الدائم هو أن هناك عرض للحجج والدلائل، لذا إنه من المهم العمل على تطوير وصياغة محتوى المقدمة الخطابية التي يتم إلقاءها في بداية المناظرة وكذلك الأمثلة والدلائل التي يتم طرحها خلال عقد المناظرة.

يجب أن يكون هناك مقدمة عامة تطرح المشكلة بشكل مكثف وسرد للأدلة وضرورة الحل المطروح، كذلك من المهم المزج بين الأدلة العقلية وسرد مواقف إنسانية، ما بين ما هو أرقام تدلل على الخسائر أو احتمالية التغيير في نهاية حملة المناصرة، وبين قصص التغيير الإنسانية وعرض المعاناة التي تعيشها الغئات المتضررة ومدى تأثر فئات أخرى بذلك مما يعطي المجال لمن هو عقلاني ومنطقي لإيجاد ضالتهه في خطابك، وأيضاً لمن هو عاطفي يتأثر بخطاب المشاعر أن يجد ما ينتظره.

الخطابة: 

لا تتوقف المناظرة على التحضير الجيد للأدلة والبراهين وصياغتها، بل طريقة الظهور وإلقاء الخطاب لها مفعول السحر، فقد مر علينا الكثير ممن الخطابات الضعيفة التي أقنعت الناس بفضل مهارات الإلقاء والخطابة التي طمست العديد من العيوب والثغرات، والعكس صحيح أيضاً، لذا فإن العمل على عرض الحجج بشكل جذاب وأسلوب شيق وممتع للمتلقي من المؤكد أنه سينعكس إيجاباً على نتيجة المناظرة.

ابدء دائماً بأسلوب بارع وجذاب وملفت للأنظار، نوع في استخدام حجم وقوة الصوت بين الخافت والعال، وبين نغماته من الحاد إلى الجهوري الغليظ، وفي الألوان العاطفية التي تعكس الحالة النفسية والدلالات الشعورية وراء ما يعرضه الخطاب. أيضاً التنويع في سرعة الخطاب يجعل المتلقي منجذباً لما تقول.

نوع في حركة يدك وتوجيه النظر للطرف الآخر وللجمهور ولكن دون تحويل ذلك لعرض فرجوي أكروباتي مما يجعل الناس في حالة توتر أو تشتت.

كن مقنعاً:

لا تدع ثغرة تؤثر سلباً على خطابك وعرضك للحجج، كن دائماً مستعد للإجابة على الأسئلة وطرح أسئلة جديدة، أكِّد على النقاط الهامة والرئيسية، ابتسم ولا تتوتر فأنت مستعد وذهنك حاضر بشكل جيد.

 

في النهاية، المناظرة هي ليست مجرد تقنية أو أداة عادية نستخدمها في مساحات محدودة، إنما هي أسلوب حياتي ومجموعة من المهارات يتحلى بها الإنسان الناجح من أجل التأثير على الآخرين والإقناع والقدرة على طرح الأفكار بوضوع.